الذكاء الاصطناعي والصحافة: تحديات متزايدة في عصر التكنولوجيا الذكية

تقرير / غادة سعد
أصدر معهد رويترز لدراسة الصحافة تقريره السنوي حول التحديات التي تواجه الصحافة والإعلام والتكنولوجيا لعام 2025 بسبب الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن صناعة الصحافة والإعلام تواجه تحديات كبيرة في الوقت الحالي ومستقبلا، ولم يكتف التقرير برصد التحديات، من تصاعد نفوذ المنصات الاجتماعية وتغلغل الذكاء الاصطناعي بصناعة الصحافة والاعلام، بالإضافة إلى هجر الجمهور والتحولات في مصادر التمويل التي تواجه أزمة كبيرة في الصحافة الان وعجز بعض المؤسسات الصحفية عن دفع رواتب العاملين، التي تُعد أزمة واضحة ومُعروفة.
أكد الكاتب الصحفي ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحفيين السابق أن الأساس بمهنة الصحافة أن يكون لها قواعد ويقوم بها المحترفون، لافتا أن الصحافة العالمية تخشي الذكاء الاصطناعي والتحديات التي تواجها ومدي التأثير السلبي عليها لفترة زمنية طويلة لأنه باختصار لديهم صحافة متقدمة ومواكبه للأحداث العالمية، مؤكدا أن الصحافة بالخارج لديها استثمارات ضخمه تخشي خسارتها بدخول الذكاء الاصطناعي على المهنة.
أضاف رشوان أن الذكاء الاصطناعي يهدد الصحافة والاعلام بالدول الأجنبية لوجود مؤسسات كبيرة قائمة الصحافة والاعلام المتماسك القوي يحتفظ بأصول المهنة ودخوله عليها ينافس استثماراتها على مستوى العالم، وموضحا أنه أيضا له مميزات حيث يساعدها على تطور المهنة وتحقيق أرباح أكبر، مشيرا أن الصحافة في مصر لا تخشي من الذكاء الاصطناعي لأن المهنة لازالت بمرحلة تطور، وهيمنة المؤسسات المحترفة على سوق الاعلام والصحافة.
أشار رئيس الهيئة العامة للاستعلامات أنه لابد من وضع ضوابط كنظيرتها بالقواعد العالمية للصحافة بحيث لا تترك المجال متاح لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لغير المهنيين والدخلاء على مهنة الصحافة للسيطرة على عقول القراء، ولابد من وضع حد ادني للمرتبات لضمان حياة كريمة لهم، مشيرا أنه لابد من اتخاذ إجراءات لإيجاد حلول خارج الصندوق للنهوض بالمهنة وبالصحفيين.
وأكد أن المستقبل للصحافة التي تستطيع التكيف، دون أن تفقد هويتها، فالصحفي لن يختفي، لكنه سيحتاج إلى تطوير مهاراته الرقمية، وفهم كيف يمكنه الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون أن يقع ضحية له.
أوضح الكاتب الصحفي خالد البلشي نقيب الصحفيين أن الذكاء الاصطناعي أداة يتحكم بها الانسان، لافتا انه غير منتج للمعرفة، بل وسيلة لجمع المعلومات ومساعدة للصحفي لممارسة مهمته الأساسية كمنتج للمعرفة وجمع المعلومات للكتابة وتساعده في جمع وتحليل البيانات بشكل أسرع وأدق وإنتاج تقارير إعلامية ذات جودة عالية، مشيرا أن الذكاء الاصطناعي أحد الأدوات المساعدة.
قال البلشي أن الذكاء الاصطناعي يمتاز أنه سيوفر جهد كبير يبذله الصحفي للبحث عن المعلومات، مضيفا أنه لدية قدرة على ضبط الصياغة في بعض الأوقات، ولكن لا يلغي عمل الصحفي في البحث عن الاخبار والتأكد من صحة مصدرها، لافتا أنه يصبح خطرا في حالة إنشاء محتوى مزيف أو التحكم في صور الفيديو، مما يجعل من الصعب التحقق من صحة الأخبار، مؤكدا أنه من المستحيل أن يحل محل الصحفي الذي يحصل على المعلومات الصحفية عن طريق اختلاطه بالشارع وما يدور به من احداث.
وأكد نقيب الصحفيين أن الصحافة لا تتأثر بالسلب بالذكاء الاصطناعي إلا على المصحح اللغوي حيث لدية تلك المهارة في التصحيح.
وأشار أننا لكي نتغلب على تحديات الذكاء الاصطناعي لابد من التدريب علي استخداماته، ووضع قيود وضوابط لها حتي نتجنب التدخل في حياة الاخرين الشخصية وانتهاك حقوق الانسان بشكل او بأخر.
من جهة أخرى أوضح د. حماد الرمحي الكاتب الصحفي أن أخطر ما يواجه الصحافة اليوم هو انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة التي تنتجها تقنيات الذكاء الاصطناعي، فمع ظهور أدوات مثل Deepfake وChatGPT، أصبح بالإمكان فبركة تصريحات ومقاطع فيديو يصعب تمييزها عن الحقيقة، لافتا أن التزييف لم يعد يقتصر على المقالات المكتوبة، بل أصبح بالإمكان فبركة مقاطع صوتية ومرئية شديدة الواقعية، ما يجعل الجمهور أكثر عرضة للخداع وهذا يمثل تهديدًا وجوديًا للمصداقية الصحفية.
وأضاف الرمحي أن بعض المؤسسات الإعلامية بدأت تستخدم الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى سريع، لكنها تهمل عنصر التدقيق والتحقق، مما يؤدي إلى تراجع ثقة الجمهور في الصحافة، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح يشكل تهديدًا حقيقيًا لوظائف الصحفيين، خاصة في الأعمال الروتينية مثل كتابة التقارير الاقتصادية أو نشر الأخبار السريعة.
وقال الرمحي أن التقديرات تشير إلى أن ما لا يقل عن 35 بالمئة من الوظائف الصحفية التقليدية معرضة للخطر خلال العقد المقبل، مع تزايد اعتماد المؤسسات الإعلامية على الذكاء الاصطناعي في التحرير والترجمة وإنتاج المحتوى الآلي، مؤكدا أن هناك مجالات لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل فيها محل الصحفي، مثل التحقيقات الاستقصائية والتقارير التحليلية والحوارات العميقة، حيث لا يزال العامل البشري ضروريًا لفهم السياقات وتحليل الأحداث بشكل نقدي.
وأشار الرمحي أن هناك معارك قانونية كبرى تدور بين الشركات التقنية والمؤسسات الإعلامية حول حقوق المحتوى. ففي أوروبا، رفعت بعض الصحف دعاوى قضائية ضد شركات مثل مايكروسوفت وجوجل، مطالبة بتعويضات عن استخدام مقالاتها في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، مضيفا أن بعض الدول، مثل فرنسا وألمانيا، بدأت تفرض تشريعات تلزم شركات التقنية بدفع رسوم لاستخدام المحتوى الصحفي، لكن هذه الحلول لا تزال غير كافية لضمان حقوق الصحفيين.
وأكد الرمحي أن الذكاء الاصطناعي يساهم في تعزيز ما يعرف بفقاعات المعلومات، حيث تعتمد منصات التواصل الاجتماعي على خوارزميات تقدم للمستخدمين الأخبار التي تتوافق مع آرائهم، مما يؤدي إلى عزلة فكرية وانقسامات مجتمعية.
وشدد من أن الخوارزميات أصبحت تحدد ما يقرأه ويشاهده المستخدم، مما يؤدي إلى تكرار نفس الأفكار والمعتقدات، بدلاً من تقديم محتوى متنوع يعكس مختلف وجهات النظر. وهذا يهدد دور الإعلام كأداة لتشكيل وعي مجتمعي متوازن، لافتا أن الحل ليس في رفض الذكاء الاصطناعي، بل في تبني نموذج الصحافة الهجينة، الذي يجمع بين التحليل البشري والتقنيات الذكية، وإن استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون كأداة مساعدة وليس كبديل للصحفي، حيث يمكن للتقنيات الحديثة أن تساعد في تحليل البيانات، وكشف الأخبار الزائفة، وتقديم محتوى أسرع، لكن القرار النهائي يجب أن يبقى للصحفي، الذي يمتلك الحس النقدي والخبرة المهنية.
وأضاف الرمحي أن بعض المؤسسات الإعلامية بدأت بالفعل في تبني هذا النهج، مثل وكالة رويترز، وهيئة الإذاعة البريطانية، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد الأخبار المزيفة وتحليل البيانات، مع الحفاظ على دور الصحفي في التحقق والتفسير، مؤكدا على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل هو اختبار حقيقي لمستقبل الصحافة.